قبل أن يتعمّد بالشهادة

قبل أن يتعمّد بالشهادة


أنهى صلاته وسلم. كانت رائحة قهوتها قد عبقت في المكان فملأته انتشاء. ارتشف اول رشفة من قهوته وقال فيما هو يهم بالجلوس: الله! . . . الله!. . . اغمض عينيه وسبح ربه على نعمه الكثيرة. جلس الى جانبها .. التصق بها اكثر مما في عادته ان يفعل. مر بيده فوق خصلات الشعر السوداء اللامعة فوق جبينها وأزاحها الى الوراء. كم يحب هذا الجبين العالي المملوء بالكبرياء. . . مرر يده فوق بطنها المنتفخ وتأمل عينيها الحالمتين وقال:
تسميه نضال. مهما كان جنس المولود تسميه نضال.

ـ متى تعود سألت فيما هو يطبع قبلة فوق جبينها
ـ حسب التساهيل

حاذى الغرفة المجاورة ونادى دون ان يقرع الباب: ادعيلي يمّا
انطلقت مع ازيز الباب دعوات امه التي فتحت مسرعة تلف راسها بالمنديل الاسود: الله يرضى عليك يا حبيبي ويجعلّك في كل خطوة سلامة. وحياتك يما لا تنسى ان تمر على الهلال تسال اذا كانوا جلبوا دوا الضغط.

حيا “ابو رباح” المقرفص عند عتبة بابه. طريف هذا الختيار.. يرفض ان يغير القمباز. كل هذه السنين في المدن ولا يزال يصر على القمباز وسيكارة اللّف. أصولي عتيق!.

ماذا يفهمون دعاة التمدن من الاصولية؟ هم يعتبرونها عيب تهمة، جريمة. منذ مدة قصيرة كانوا يقولونها بفخر، يعنون بها الطهر، النقاء، فم النبع قبل ان تلثمه الايدي والارجل والعيون. لله كيف يسوقون الكلام حسب غاياتهم!.. وما أغبانا ننجرف في تسويق بضاعتهم دون تفكير. اليوم يسوقون كلمة جديدة اسمها “شفافية”. لم تعد تخلو جملة من هذه اللفظة “الشفافة”. من استهدى على هذه اللفظة وكم سيطول عمرها قبل ان تمسي مثل غيرها عيباً او شتيمة؟! . ما لي ولهم. لهم قاموسهم ولي قاموسي. لهم طرقهم ولي طريقي. لهم ايمانهم ولي ايماني. لهم فلسطينهم ولي فلسطيني

كانت الشمس قد بدأت ترسل اشعتها خجولة شاحبة. أحس دفئها يسري ناعماً في عروقه. ما أجمله من صباح لا يعكره إلا آثار دباباتهم وقصفهم الذي لا يزال يسد أزقة المخيم. تتسابق دجاجات عمته وضفة على نبش تربة عجفاء. زعماؤنا اللاهثين وراء المفاوضات كدجاجات عمتي وضفة، تربتهم خلت حتى من دودة صغيرة تتقاتل عليها عشرات المناقير. على كل غدا ييأسون ويعرفون ان الله حق

سيختلفون غدا على تسمية عمله: إستشهاد؟ فداء! انتحار! ! ارهاب! . . كله لا يهم انا لا افعل ما افعل لأجل قولهم ومباركتهم. إنه إيماني وحدي وإن كره الظالمون. يبتسم فيما هو يقرأ الشعارات التي شوهها القصف من جملة ما شوه. . . حتما سيقيمون له ماتما رمزيا. ليتهم لا يفعلون. لا لزوم لهذه المراسيم الوثنية. لا يريد لدمه ان يسيس. . . فكر بالمولود الذي سيجيء الى هذه الدنيا يتيما. وإن يكن ! ! . . . النبي صلى له عليه وسلم عاش يتيما حتى انه تغذى على حليب مرضعة. قد يهدمون هذا الخص المسمى بيتا. لن يزيد هدمه ولن ينقص على كل الهدم الذي مارسوه. . المهم ان لا يتمكنوا من هدم النفوس . . .

تمنى لو كان أوفر حظا. لو انه ولد في زمان غير هذا الزمان. . . استغفر ربه: “اللهم لا اعتراض على مشيئتك”. قرأ آية الكرسي. أشاع الدعاء طمأنينة هادئة في نفسه ومشى الى قدره بفرح لا يستطيعه إلا من منحه ربه نعمة الشهادة

سدني أستراليا/ 2002