إغواء
مريمتي المجدلية التي تجيد مراوغة الحياة، زارها الملاك جبريل مرةّ.
:قهقهت هازئة
.بضاعتك لا تغريني!.. تعال إلى تفاحي –
.فاحمرّ خجلاً
لتفاحها ألق لا مثيل له في تفاح الجنة
– تفاحي عمره قصير. أهجره بعد أن ينقضي موسمه وأعلن التوبة. ألعب معه لعبة الحياة
– تعال إلى تفاحي، فأسكب فوق قدميك العطور العربية. عطوري مسكها غير سرمدي. تذوب بعد أن ينقضي أريجها
خفض بصره فيما راح يتلوى أريج عطرها في شرايينه. يحيا ويموت. ينبعث ويتلاشى. يختلف كثيراً عن عطر الجنة.
– تعال الى مخملي (قالت). مخملي يختلف ارتعاشه بين لمسة وأخرى.
صحا خياله النائم منذ آلاف القرون. أربكه ما صار من ارتعاش في أماكن ما من جسده.
– إخلع جسدك الاثيري المضيء منذ ملايين السنين. عتمة جسدي ستفتح نوافذ لا تفتح في النور
أغمض عينيه كأنما ليستجيب لندائها. جاءه صوت أثيري:
– إحذر حواء يا آدم
كاد يتجاهل النداء فتبعه آخر:
– لا تكن إبليساً آخر
لملم ذراته وطار ليحط في غرفة أختها مريم الناصرية
سدني 2006
حلم
كلمسة شفاء بعد عاصفة آلام مبرّحة مسّنـي حبه. لقي الباب موارباً فتسلل دافئاً كشمس خريفية. استفاقت محتجة زاعقة وطاويط ذاكرتي. ظل على هدوئه ما أرجفه زعيق. كعذراء ما عبث في حلمها الذهبـي فارس مخاتل استسلمت لدفئه. على مهلل بعثر ما رتبته جدتي ومن قبلها جدتها ومن بعدهما أمي ومعلمي وكتاب صلاتي. على مهلٍ أمسك بتلافيف روحي وقادني من عتمة آلاف السنين. رويدا رويداً دون أن يصعقني بضوئه الباهر أخرجني من سجني إلى الحرية.
جأرت فرامل سيارة مهتاجة تحت النافذة. سلبت لمسة شفائي وأعادتني الىعتمتي راضية مرضية
سدني 2006
إدمان
قال: مثل الإدمان أنت لي. فاتسعت حدقتا عينيها وسألته:
وكان كلما قال أكثر كلما زاد جهلها.
منذ يومها وهي تحدق مشدوهة بنجوم السماء وتتساءل كيف يكون الإدمان!..
ذات سحر، غمزتها نجمة ورحلت عند الفجر.
صارت كل ليلة تنتظر غمزة نجمتها.
ولكنها لا تزال تسأل كيف يكون الإدمان.
سدني 2006
ذئب وفراشة
– ذات غسق نادتها النداهة. منتشية بالنداء، تقمصت فراشة. طارت مزهوة باتجاه الصوت. صُمَّت أذناها عن عويل ذئب تسلل إلى مكامن شهوتها، امتص رحيقها ورحل مزهواً بفتح عاصمة الأمويين
سدني 2006
مصيدة
مددت يدي الى تلافيف الذاكرة. طالعتني حية رقطاء تنتصب في وسط العتمة.
جبنت. . . تراجعت. . . وصرت أعيش في حاضر تعس لا ذكرى جميله تزيح عنه بعض كربته.
قالوا لها، في مجتمعك الجديد هذا، “كل عنزة معلقة بكرعوبها”. لا أحد يتطلع إلى ما تلبسين او تفعلين ومع من تتكلمين. لا أحد يترصّدك. أنت حرة من كلام الناس وفضولهم.
صدقتهم. طردت الرقيب القابع في ثناياها وصارت تتصرف بما يشاء لها هواها.
تمايلت بغنج على شرفة منزلها، ومررت أصابعها بين خصلات شعرها منتشية بعبق الحبق والغاردينيا المنبعث من تحت الشرفة، لاحظت رجلاً على الشرفة المقابلة يبتسم لها فبادلته الابتسام.
في المساء دُقّ جرس بابـها. كان يحمل زجاجة نبيذ. شيء ما فيه أو من بقايا شرقيتها أيقظ توجسها. حاولت أن تمنعه من الدخول. وضع رجله بين الباب والعتبة وعطّل محاولتها. في انعطافة الباب الموارب مزق قميصها. استغاثت فما أثارت استغاثتها أيّ حرّ أو حرّة. كان ما كان ولم يكن الباب إلا موارباً
سدني 2006
في الرابع من حزيران
وفيه مهدّوا لاجتاح بيروت بقصف مدينتها الرياضية.
* * * *
كانت في الثانية من عمرها. نهروها. قالوا لها إطلعي برّا.
خرجت إلى الشرفة تشكو لملاقط الغسيل ظلمهم. هي ملاقط ملونة أحمر أصفر أزرق أخضر.
صنعت منهم صبياناً وبنات وراحت تحادثهم وتحبهم ونسيت تظلّمها.
فجأة دوى صوت راعب ارتجف له قلبها وملأ غبار حارق عينيها. . .
زعقت مرتعبة، وصارت دقات قلبها تسمع عن بعد.
ركضت إليه واختبأت بحضنه.
هدهدها. . . اطمأنت وسكن ارتجافها.
ظلت عشرين عاماً تهرع إلى حضنه كلما داهمها صوت راعب، وظل في كل مرة يهدئ ارتجاف قلبها وقلق عينيها.
ابتأس يوم كفت عن عادتها الجميلة تلك وتساءل!.
– ترى هل صار لها حضن أدفأ!. . أم أن حنو حضنه زاد عن حده وأمسى قيداً!؟..
سدني 2006
خيش وحرير
داهمتني هذه الصورة فيما أنا أهدهد حفيدي لينام.
غريب أمر هذه الذاكرة كيف تلملم بضاعتها من بلاد الواق الواق دونما حساب لمنطق أو ترتيب فتعطف الحرير على الخيش والفحش على القداسة !.
كيف وأنا أغني للحمام مرت صورة محمد الدرة
سدني 2006
نفسي حزينة حتى الموت
في الخامس عشر من كل أيار، كانت تسند خدها بكفها وتسهم بعيداً صوب الجنوب وتقول: “نفسي حزينة حتى القيامة. . .” في السنوات العشر الاخيرة صارت تقعد محنية الظهر تغرق وجهها بأصابع كفيها حتى الوجع وتقول: “نفسي حزينة حتى الموت”.
سدني 2011
سعيد أبي النحس المتشائل
تعرّفْتُ عليه فوق إحدى مسارح سدني. قلت فيما نحن خارجين من المسرح: حرام سعيد. صاح بي صيحة لفتت سمع جموع الخارجين من المسرح.
– سكِّر بوزك!…. العميل ما بيقولوا عنو حرام.
سكّرِت بوزي. لا احتراماً ولا اقتناعاً بل تفادياً لغضبة هوجاء قد تؤدي إلى طردي طرد الفريسيين من الهيكل.
عندها فقط تمنيت لو أنني أجيد العربية لأرى أين وقع الالتباس في تصنيف سعيد أبي النحس المتشائل!.. بعقلي! بعقل والدي!.. ام بعقل من فرنجه وأنطقه بالانكليزية؟
سدني 2006
هكذا تبدأ الامور
عندما كان صغيراً كان يتألم لأن أمه تحب أخاه أكثر منه. مالاءها كي تحبه أكثر.
في المدرسة قرّبته المعلمة وطلبت منه أن يقول لها ما يدور من كلام بين رفاقه الصغار في ساحة المدرسة.
لم يقل له أحد ان هذا خطأ وظل يمارسه فقط لممالاءة المعلمة والتقرب منها.
عندما كبر صار اسمه “سعيد ابي النحس المتشائل”
سدني 2006
حبٌّ وسياسة
هو يحب أنور السادات وهي تحب جمال عبد الناصر. نسمعهما يتصايحان بعد نشرة الأخبار المسائية. هو يتهمها بالسذاجة والمراهقة السياسية. هي تتهمه بالانحراف والتخلي عن مبادئه
– ليس هذا هو الشخص الذي أحببت وقاتلت الدنيا لأتزوجه (نسمعها تقول).
-لسْتِ إلا تافهة عنيدة متشبثة برأيك الأعوج (نسمعه يقول)
نسمع أصوات تحطم زجاج. تشرق على وجهي ابتسامة متشفية وأقوم لأقلب “السرماية”[1]
– سوف يطلقها!. . . ألوي شفتي السفلى شامتة
يعم الشقة هدوء. . . ثم لا تلبث ان تنبعث أنغام موسيقية المة، ورائحة شموع عطرية. لا أجروء على الاصغاء جيدا. . . لو فعلت، لسمعت قهقات خافتة وربما ماجنة من ذلك النوع الذي لا يحدث إلا في غرفة حمراء مغلقة.
سدني 2006